تحقيق التوحيد والإخلاص لله عز وجل
تحقيق التوحيد والإخلاص لله عز وجل
فالله -عز وجل- لم يأمر إبراهيم -عليه السلام- ببناء البيت إلّا لتحقيق
توحيده سبحانه، وذلك يظهر جليًّا من اقتران الأمر ببناء البيت بالنهي عن الشرك
والتخلّص من مظاهره، حيث قال تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ
الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ
وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[الحج: 26].
تنقية النفس من الأخلاق المذمومة
تنقية النفس من الأخلاق المذمومة
فقد نهى اللهُ -سبحانه- الحاج عن الفحش والسباب واللغو والجدال والمماراة،
فقال تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا
جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ}[البقرة:
197].
وذلك تعظيمًا لفريضة الحج من جهة، وليعتاد المسلم على الابتعاد عن مثل هذه
الأخلاق المذمومة بعد الحج من جهة أخرى؛ لأنها مذمومة في كلّ زمان ومكان.
التنبيه على أهمية الاستعداد للآخرة
التنبيه على أهمية الاستعداد للآخرة
فقد نبّه سبحانه الحاج الذي يتزود عند سفره بما يكفيه من زاد الدنيا ليصل
إلى وجهته سالمًا ألّا ينسى التزوّد للدار الآخرة، وخير ما يتزود به في سفره للدار
الآخرة تقواه سبحانه، وذلك بفعل الطاعات واجتناب المعاصي والسيئات، حيث قال الله
تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي
الْأَلْبَابِ}[البقرة: 197].
يقول ابن القيم -رحمه الله-: «أمر الحاج بأن يتزودوا لسفرهم، ولا يسافروا
بغير زاد، ثم نبههم على زاد سفر الآخرة، وهو التقوى، فكما أنه لا يصل المسافر إلى
مقصده إلا بزاد يبلغه إياه، فكذلك المسافر إلى الله تعالى والدار الآخرة لا يصل
إلّا بزاد من التقوى، فجمع بين الزادَين .( إغاثة اللهفان
من مصايد الشيطان: 1/ 58)
الحثّ على تعظيم شعائر الله سبحانه
الحثّ على تعظيم شعائر الله سبحانه
فشعائر الله هي أعلام دينه الظاهرة وأوامره ونواهيه التي تعبدنا بها،
وتعظيم هذه الشعائر علامة على قرب العبد من ربه، ودليل ساطع على تقواه، وهي مقصد
عظيم من مقاصد الحج؛ فالمسلم عندما يعتاد على تعظيم شعائر الله المتمثلة في أعمال
الحج من الطواف والوقوف بعرفة ورمي الجمار وذبح الهدي وغيرها، فإنّ ذلك يربي في
نفسه تعظيم أوامر الله وتقواه في كلّ وقت؛ لذلك قال الله -سبحانه- في ذيل الحديث
عن أعمال الحج: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ
تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج: 32].
الموازنة بين المصالح الدنيوية والأخروية
الموازنة بين المصالح الدنيوية والأخروية
فالموازنة بين المصالح الدنيوية والمصالح الأخروية من محاسن الإسلام
ومقاصده، وذلك يظهر جليًّا في كثير من الشرائع والعبادات ومن ذلك عبادة الحج، فقد
أباح الله -سبحانه- للحاجّ أن يجمع بين أداء المناسك وبين التجارة والتكسّب، بشرط
أن لا تؤثِّر على المقصد الأصلي ألَا وهو العبادة، فقال -عز وجل-: {لَيْسَ
عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة: 198]، وقال
أيضًا: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ
مَّعْلُومَاتٍ}[الحج: 28].
ربط قلب المسلم بذكر الله
ربط قلب المسلم بذكر الله
فالذكر مِن أحبّ العبادات إلي الله -سبحانه- وأعظمها أجرًا، وقد ربط الله
به كثيرًا من العبادات ومن أبرزها عبادة الحج، ويظهر ذلك واضحًا في ربط القرآن
الحديث عن مناسك الحج بذكر الله في كثير من المواضع، حيث قال تعالى: {فَإِذَا
أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ
وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ
أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ رَّحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ
كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}[البقرة: 198-200].
يقول ابن القيم عن الذِّكر: «بل هو رُوح الحج
ولبُّه ومقصوده، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلـم-: «إنما جعل الطواف بالبيت
والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله .( مدارج السالكين: 2/ 399)
التأكيد على روح المساواة بين الناس
فالإسلام دين المساواة وهذا يظهر واضحًا في اجتماع الناس للصلاة واجتماعهم
للحج حيث يقف الغني بجوار الفقير والعربي بجوار العجمي في صعيد واحد بثياب واحدة
بخلاف ما كان عليه أهل الجاهلية، فقد قال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ
أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[البقرة:
199].
تحقيق معنى العبودية والانقياد لله سبحانه
تحقيق معنى العبودية والانقياد لله سبحانه
وهذا يظهر بوضوح عند استجابة الحاج للقيام بهذه الفريضة وارتداء لباس الإحرام والطواف بالكعبة والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة، فهو يقوم بهذا الأعمال منقادًا لأمر الله -عز وجل- ومتأسيًا برسول الله -صلى الله عليه وسلـم-
تربية المسلم على الدقّة والانضباط:
تربية المسلم على الدقّة والانضباط
وذلك يظهر بتحديد المواقيت الزمانية والمكانية للحج، فالمواقيت الزمانية هي الأشهُر التي حدّدها الله -سبحانه- للذهاب للحج، كما وَقَّت سبحانه وقتًا محددًا للوقوف بعرفة، إذا تجاوزه الحاج بطل حجه، ووقتًا لرمي الجمار، فقال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ}[البقرة: 197].
أما عن المواقيت المكانية فهي الأماكن التي حددها النبي -صلى الله عليه وسلم- للإحرام، فإذا مرّ بها الحاج يُشرع له أن يرتدي ملابس الإحرام ويمنع من بعض الأشياء التي كانت مباحة قبل الإحرام.
وهذه المواقيت الزمانية والمكانية هي تدريب عملي للمسلم على الدقة والانضباط في جميع أموره بعد الحج.
التأكيد على وحدة الأمة واجتماعها:
التأكيد على وحدة الأمة واجتماعها
فمن مقاصد الحج التأكيد على وحدة الأمة وتماسكها وإحياء معنى الأخوة الإيمانية وهذه من أعظم المنافع التي يجنيها الحاج من موسم الحج، حيث إن اجتماع الأمة بهذه الأعداد الكبيرة مع اختلاف أشكالهم ولغاتهم على توحيد الله وعبادته يترك مردودًا نفسيًّا واجتماعيًّا كبيرًا في قلوب أهل الإيمان إلى جانب الأثر العظيم الذي يتركه في قلوب أعداء الإسلام، ولذلك أمر الله الأمة بالاجتماع على دينه فقال سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران: 103].
(مختصر من بحث على الشبكة العنكبوتية بعنوان مقاصد الحج في ضوء القرآن الكريم للكاتب محمد الخولي)
" إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ". [البقرة:158].
· " إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ". [البقرة:158].
يقول الله تعالى : إنَّ السَّعي بين الصَّفا والمروة من معالِم دِينه الظاهِرة، التي شُرِعت في الحجِّ، فمَن قصَدَ البيتَ ناويًا أداء النُّسك من حجٍّ أو عُمرةٍ، فلا يَتحرجنَّ من الطَّواف بينهما؛ لأجْل أنَّهم في الجاهليَّة يَعبُدون الأصنام عِندهما.
وأخبر سبحانه وتعالى أنَّ مَن يأتي بالطاعات، سواء ما كان منها مَفروضًا أو مستحبًّا، ويَزداد منها؛ فإنَّ الله مُجازيه على عمَله خيرَ الجزاء، فهو سبحانه شاكرٌ لا يُضيع أجْرَ مَن أحسن عملًا، عليمٌ لا يَخفَى عليه ذاك الإحسانُ.
والآي تدل على أن السَّعي بين الصَّفا والمروة من معالم الدِّين الظاهِرة، التي شرَعها الله تعالى لعباده في الحجِّ .
وفي حديث جابِرٍ الطويلِ في صِفة حَجَّة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، قال رضي الله عنه: ((ثمَّ خرَج من الباب إلى الصَّفا، فلمَّا دنا مِن الصَّفا قرأ: إنَّ الصَّفَا وَالمْرَوْةَ َمِنْ شَعَائِرِ اللهِ أبدأُ بما بدأَ اللهُ به، فبدأ بالصَّفا، فرقِيَ عليه )) .
ومَن قصَد البيت الحرام لأداء مناسك الحجِّ، أو العمرة، فلا يَتحرَّجَنَّ من الطواف بين الصَّفا والمروة؛ لشُبهة أنَّه من أفعال الجاهليَّة وأنَّهم كانوا يُعظِّمونهما، ويطوفون بينهما .وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ.
" يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْأَهِلَّةِ قُلْ هِىَ مَوَٰقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا۟ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأْتُوا۟ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَٰبِهَا وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ". [البقرة:189].
· " يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْأَهِلَّةِ قُلْ هِىَ مَوَٰقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا۟ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأْتُوا۟ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَٰبِهَا وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ". [البقرة:189].
سأَل النَّاسُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ عن الحِكمة من تغيُّر أحوال القمَر صِغرًا وكِبرًا على مراحلَ، فأعلَمه الله سبحانه بالجواب الذي يردُّ به على تساؤلِهم، وهو أنَّ الحكمةَ من خَلْق ذلك أنْ يضبطَ به النَّاس شوؤنهم المؤقَّتة بأوقاتٍ؛ كصومِهم، وفِطرهم، وعدَّة نسائهم، وآجالِ ديونهم، وأوقات حَجِّهم، وغيرها.
ثم أخبَر سبحانه أنَّه ليس من الخير ما كان يفعلُه أهلُ الجاهليَّة من غير القُرَشيين، حيث يمتنعون حالَ إحرامِهم من دخول البيوت من قِبَل الأبواب، وإنَّما من الخَلْف، وأعلَمهم أنَّ البِرَّ والخيرَ في تقوى الله تعالى بامتثال أوامرِه، واجتناب مناهيه، وعليهم أنْ يدخلوا البيوتَ من أبوابها، وأن يلتزموا بالتَّقوى؛ بفعلهم المأمورَ، وتركِهم المنهيَّ عنه، رجاء أنْ يصِلوا بتقواهم تلك إلى الظَّفَر بما يطلُبون، والنَّجاةِ ممَّا يحذَرون.
"وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ".[البقرة:196].
· "وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ".[البقرة:196].
يأمر اللهُ تعالى مَنْ شرعوا في الحجِّ أو العمرة بإتمام ما شَرَعوا فيه منهما، بأركانه وواجباته، مُخلِصين لله تعالى في ذلك، فإنْ مُنعُوا من الوصول للبيت الحرام لمانعٍ من خوفٍ أو مرضٍ أو لسبب آخر، فلْيَذبحوا ما تيسَّرَ لهم من الإبل، أو البقر، أو الغنم، وأمرهم سبحانه ألَّا يحلُّوا من إحرامهم إذا أُحصروا إلَّا بعد أن يَبلُغَ الهديُ الذي أوجبه الله عليهم محلَّ نَحْره، وهو موضع الإحصار- فأمَّا غير المُحصَر فيذبحه في الحرم، وإنْ كان في حجٍّ فينحره في يوم النحر منه- ومَن احتاج إلى حلْق رأسه لمرض، أو كان في رأسه ما يُؤذيه كالقمل، فله أنْ يَحلقَه، فإنْ فعل فهو مخيَّرٌ بين أن يصومَ عِوضًا عن ذلك ثلاثةَ أيَّام، أو يُطعِمَ سِتَّةَ مساكين، لكلِّ مسكين نصفُ صاع، أو يذبح شاةً.
فإذا زال المانعُ، وقدَروا على الوصول إلى البيت الحرام، فمَنْ أتى بعمرةٍ ثمَّ حلَّ منها متمتِّعًا بذلك الحلِّ إلى أن يَشرَع في أعمال الحجِّ- وكذا مَن قرَن بين الحج والعمرة- فإنَّ عليه ذبحَ ما قدر على ذبْحِه من الإبل، أو البقر، أو الغنم، فمَن لم يجِد، فلْيصُمْ بدلًا من ذلك، عشرة أيام، ثلاثة منها في أثناء الحجِّ، وسبعة إذا عاد إلى أهلِه وموطنِه بعد فراغه من أداء نُسكه، وهذا الحُكم للمتمتِّع الذي ليس أهله من حاضري المسجد الحرام، ثم أمَر سبحانه وتعالى بتقواه، وذلك بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ولْيعلمِ العبادُ أنَّ الله شديدُ العقوبة لمَنْ خالف ما أمرَ به، وارتكبَ ما نهى عنه سبحانه وتعالى.
" الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ". [البقرة:197].
· " الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ". [البقرة:197].
أخبر عزَّ وجلَّ عن توقيت الحجِّ، وأنه واقعٌ في أشهرٍ معلومة هي شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، فمَن أحرم بالحجِّ في تلك الأشهر فعليه أن يجتنبَ جِماعَ النِّساء ومقدِّماته، ولا يتحدَّثَ بذلك في حضرتهنَّ، ويجتنبَ أيضًا جميعَ المعاصي والتي منها محظورات الإحرام، وسبابَ المسلم، ويدَعَ الجدالَ بالباطل، ومنه المجادلة في وقتِ الحجِّ وأحكامه، فقد بيَّنها تعالى أتمَّ بيان وأوضحَه، وعليه أن يدعَ المراءَ والمنازعة والمخاصمة. وأخبر سبحانه عبادَه أنَّ ما يعملونه من خيرٍ فإنَّه به عالمٌ، وسيجزيهم عليه أفضلَ الجزاء، وأمَرَهم بالتزوُّد من الأقوات التي تُعينهم على الوصول إلى البيتِ الحرام، وأداء العبادة، وأعْلمهم أنَّ خيرَ الزاد هو ما أعانهم على الوصول إلى نعيمِ الآخرة، وهو التقوى بامتثال أوامرِه سبحانه وتعالى، واجتناب نواهيه، وأمَر بها أصحابَ العقول الذين يُدركون حقيقةَ التقوى وثمارها.
"َليۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡۚ فَإِذَآ أَفَضۡتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلۡمَشۡعَرِ ٱلۡحَرَامِۖ وَٱذۡكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمۡ وَإِن كُنتُم مِّن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ". [البقرة:198].
· "َليۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡۚ فَإِذَآ أَفَضۡتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلۡمَشۡعَرِ ٱلۡحَرَامِۖ وَٱذۡكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمۡ وَإِن كُنتُم مِّن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ".
[البقرة:198].
شرَع سبحانه في بيان بعض أفعال الحجِّ، فأمر الحُجَّاجَ أن يذكروه سبحانه عند المزدلفة بعدَ أن يدفعوا إليها من عَرفات، وهذا الذِّكر الذي أمر الله به يدخُل فيه الصلاةُ والدعاء عندها، ولْيذكروه سبحانه شُكرًا له على أنْ أرشدهم إلى طريق الهداية وإنْ كانوا من قبلِ أن يرشدهم إليها لفي زيغٍ وضلال، واذكروه كذلك وفقَ الصِّفة المشروعة التي هداكم إليها.
" ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ". [البقرة:199].
· " ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ". [البقرة:199].
أمَر الله عزَّ وجلَّ أهل قريش الذين كانوا لا يُفيضون من عرفات، بالإفاضة منها كما كانتِ العرب قاطبةً تُفيض منها، وأمرَ سبحانه الحجاجَ أيضًا أن يطلبوا منه التجاوزَ عن ذنوبهم، وسترها لأنه جلَّ وعلا غفَّار الذنوب، والرَّحيم بعباده المؤمنين.
" فَإِذَا قَضَيۡتُم مَّنَٰسِكَكُمۡ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكۡرِكُمۡ ءَابَآءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكۡرٗاۗ فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖ ﴿200﴾ وَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴿201﴾ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ". [البقرة:200-202].
· " فَإِذَا قَضَيۡتُم مَّنَٰسِكَكُمۡ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكۡرِكُمۡ ءَابَآءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكۡرٗاۗ فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖ ﴿200﴾ وَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴿201﴾ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ". [البقرة:200-202].
خاطَب اللهُ عباده الحجاج أنَّهم إن أتمُّوا مناسك حجهم، وتحللوا من إحرامهم فلْيكثروا من ذكره سبحانه وتعالى، ولْيكن ذكرهم له كذكرهم مآثر آبائهم، بل عليهم أن يذكروه بأشدَّ من ذلك.
ثمَّ أَرشدَ اللهُ عزَّ وجلَّ إلى دُعائه بعد الأمْر بالإكثار من ذكره؛ فإنَّ ذلك أَحْرى بالإجابة، وذمَّ سبحانه مَن لا يسأله إلَّا متاعَ الدُّنيا، وليس له في ثواب الآخرة أي نصيب، ومدَحَ المؤمنين الذين يسألون الله عزَّ وجلَّ من خيرَيِ الدنيا والآخرة، ويَطلُبون منه سبحانه أن يَصرِفَ عنهم عذابَ النار، فأصحابُ هذا القِسم لهم ثوابٌ عظيم على حَجِّهم الذي قاموا به، وسيُجيبهم الله إلى ما دَعوا به من خيرَيِ الدنيا والآخرة، والله سريعٌ في إحصاء أعمال عبادِه، سريعٌ في مجازاتهم.
" وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوۡمَيۡنِ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۖ لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ ".[البقرة:203].
· " وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوۡمَيۡنِ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۖ لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ ".[البقرة:203].
أمرَ الله جلَّ وعلا عبادَه بالتكبير في أيَّام التشريق، ويشمل ذلك التكبيرَ عند ذبح الأضاحي، والتكبيرَ المطلَقَ في سائر الأوقات، والتكبيرَ المقيَّد بعدَ الصلوات المفروضة، والتكبيرَ عند رمي الجِمار، ثم يُخبر تعالى أنه لا حرَجَ على الحاجِّ في تعجُّله بخروجه من مِنًى قبل غروب شمس اليوم الثاني من أيَّام التشريق، أو تأخُّره ببقائه فيها إلى اليوم الثالث لرمْي الجمرات، ما دام أنَّه في كلا الأمرين ممتثلٌ ما أمر الله به، مجتنبٌ ما نهاه عنه، ثم أوصى اللهُ عبادَه بتقواهُ بإطاعةِ أوامرهِ والانزجارِ عن نواهيه، وليتيقنوا أنَّهم سيُحشرون إليه سبحانه يوم القيامة.
" إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴿96﴾فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ". [آل عمران:96- 97].
· " إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴿96﴾فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ". [آل عمران:96- 97].
يُخبِر تعالى أنَّ أَوْلَ بيتٍ وُضِع لجميع النَّاس مِن أجْل عِبادة الله فيه، هو البيتُ الحرام، الواقعُ في مكَّة المُكرَّمة، وهو مَوضِعٌ مُبارَك، فيه برَكاتٌ كثيرةٌ من المنافع الدِّينيَّة والدُّنيويَّة: كالأجورِ المضاعَفة، والأرزاقِ الوفيرة، وهو مَنارٌ يَهتدي به جميعُ العالَمين.
في بيت الله الحرام أدِلَّةٌ واضِحةٌ على توحيدِ الله سبحانه وحِكْمتِه وعظمتِه وقُدْرتِه، وغير ذلك من صِفاتِه الحُسنى، وعلاماتٌ على شرفِه، ومن تلك العلامات: المواضِعُ التي قام فيها الخليلُ إبراهيمُ عليه السَّلام لأداءِ مناسكِ الحَجِّ، ومنها أيضًا: أنَّ مَن دخَله كان آمنًا مِن كلِّ سوء، وقد فرَض اللهُ على مَن قَدَر من أهل التَّكليفِ قصْدَ البيت الحرام لأداءِ شعائر الحَجِّ، ومَن جحَد فريضةَ الحجِّ فإنَّ الله غنيٌّ عنه وعن حَجِّه، وعن سائرِ خَلْقه.
" جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلۡكَعۡبَةَ ٱلۡبَیۡتَ ٱلۡحَرَامَ قِیَـٰمࣰا لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَٱلۡهَدۡیَ وَٱلۡقَلَـٰۤىِٕدَۚ ذَ ٰلِكَ لِتَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمٌ " . [سورة المائدة:97]
· " جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلۡكَعۡبَةَ ٱلۡبَیۡتَ ٱلۡحَرَامَ قِیَـٰمࣰا لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَٱلۡهَدۡیَ وَٱلۡقَلَـٰۤىِٕدَۚ ذَ ٰلِكَ لِتَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمٌ " . [سورة المائدة:97]
امتنَّ الله على عباده بأن جعل الكعبة البيت الحرام صلاحًا لدينهم، وأمنًا لحياتهم؛ وذلك حيث آمنوا بالله ورسوله وأقاموا فرائضه، وحَرَّم العدوان والقتال في الأشهر الحرم (وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب) فلا يعتدي فيها أحد على أحد، وحَرَّم تعالى الاعتداء على ما يُهْدى إلى الحرم من بهيمة الأنعام، وحَرَّم كذلك الاعتداء على القلائد، وهي ما قُلِّد إشعارًا بأنه يقصد به النسك؛ ذلك لتعلموا أن الله يعلم جميع ما في السموات وما في الأرض، ومن ذلك ما شرعه لحماية خلقه بعضهم من بعض، وأن الله بكل شيء عليم، فلا تخفى عليه خافية.
" وَأَذِّن فِی ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ یَأۡتُوكَ رِجَالࣰا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرࣲ یَأۡتِینَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِیقࣲ". [سورة الحج :27]
·· " وَأَذِّن فِی ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ یَأۡتُوكَ رِجَالࣰا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرࣲ یَأۡتِینَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِیقࣲ". [سورة الحج :27]
وأذِّنْ في الناس بالحجِّ :أي أعلِمْهم به، وادْعُهم إليه، وبلِّغْ دانِيَهم وقاصِيَهم فرضَه وفضيلتَه؛ فإنَّك إذا دعوتَهم؛ أتوْك حُجاجاً وعماراً. {رجالاً}؛ أي: مشاة على أرجلهم من الشوق، {وعلى كلِّ ضامرٍ}؛ أي: ناقة ضامرٍ تقطع المهامةَ والمفاوِزَ، وتواصِل السير حتى تأتي إلى أشرف الأماكن، {من كلِّ فجٍّ عميقٍ}؛ أي: من كلِّ بلدٍ بعيدٍ. وقد فعل الخليلُ عليه السلام ثم مِنْ بعدِهِ ابنُه محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، فدعيا الناس إلى حجِّ هذا البيت، وأبْدَيا في ذلك وأعادا، وقد حَصَلَ ما وَعَدَ اللَّه به؛ أتاه الناس رجالاً وركباناً من مشارق الأرض ومغاربها.